في البداية، اعتمدت العملات الرقمية بشكل أساسي على آلية “إثبات العمل” (Proof of Work – PoW)، وهي عملية تتطلب قدرات حوسبية هائلة لحل معادلات معقدة وتأمين الشبكة. هذا النموذج، رغم أمانه العالي، يستهلك طاقة تعادل استهلاك دول بأكملها.
ومع تزايد الضغوط المناخية واتفاقيات باريس للمناخ، بدأت الصناعة في التحول نحو “إثبات الحصة” (Proof of Stake – PoS). ويعد تحديث شبكة الإيثيريوم (The Merge) النقطة الفاصلة في هذا التحول، حيث نجح في خفض استهلاك الطاقة للشبكة بنسبة تزيد عن 99.9%.
لم يتوقف الأمر عند تغيير البروتوكولات، بل شمل أيضاً “تعدين البيتكوين” نفسه. وفقاً لتقارير “مجلس تعدين البيتكوين” (BMC)، أصبح أكثر من 59% من تعدين البيتكوين عالمياً يعتمد الآن على مصادر طاقة مستدامة (هيدروليكية، رياح، وشمسية).
استغلال الغاز المشتعل: بدأت شركات التعدين في استخدام الغاز الطبيعي الفائض من آبار النفط (الذي كان يُحرق ويلوث الجو) لتوليد الكهرباء اللازمة للتعدين.
موازنة الشبكة الكهربائية: يلعب المعدنون الآن دوراً في استقرار الشبكات الوطنية، حيث يستهلكون الطاقة في أوقات الوفرة ويتوقفون في أوقات الذروة.
بالنسبة لصناديق الاستثمار الكبرى مثل “BlackRock” و”Fidelity”، لم يعد العائد المادي هو المعيار الوحيد. لقد دخلت معايير ESG (البيئة، المجتمع، والحوكمة) كشرط إلزامي.
الشفافية البيئية: المؤسسات تطلب الآن تقارير دقيقة حول البصمة الكربونية للعملات التي تستثمر فيها.
تفضيل شبكات PoS: هناك توجه واضح نحو الاستثمار في عملات مثل (سولانا، كاردانو، وإيثيريوم 2.0) كونها تتوافق طبيعياً مع أهداف الاستدامة.
شهادات الكربون الرقمية: بدأت مشاريع بلوكشين جديدة تهدف إلى ترميز (Tokenization) أرصدة الكربون، مما يسمح للشركات بتعويض انبعاثاتها بشكل شفاف وفوري.
بعيداً عن استهلاك الطاقة، أصبحت تقنية البلوكشين بحد ذاتها أداة لحماية البيئة من خلال:
تتبع سلاسل الإمداد: التأكد من أن المنتجات (مثل الخشب أو الألماس) مستخرجة بطرق مستدامة وغير ضارة بالبيئة.
أسواق طاقة لامركزية: تمكين الأفراد من بيع فائض الطاقة الشمسية من منازلهم مباشرة عبر البلوكشين.
إن “الاستثمار الأخضر” في الكريبتو ليس مجرد موجة عابرة، بل هو إعادة صياغة لهوية النظام المالي الرقمي. إن العملات التي ستنجح في البقاء والنمو في السنوات القادمة هي تلك التي توازن بين الابتكار التقني والمسؤولية البيئية.
المستثمر الذكي اليوم لا ينظر فقط إلى “الرسم البياني للسعر”، بل ينظر أيضاً إلى “البصمة الكربونية” للمشروع.
